صورة البقرة

صورة البقرة في زماننا تجسّدت في واقع دولة السودان؛ البلد الجائع الذي يمتلك أكثر من 42 مليون بقرة، في حين أن هولندا المتطورة المتقدمة، الثرية اقتصاديًا، لا تمتلك أكثر من 11 مليون بقرة.

هذا المشهد يُذكّرنا بالقصة التي وردت في القرآن الكريم، في سورة البقرة، عن بني إسرائيل، حين أمرهم الله أن يذبحوا بقرة.

بدلًا من تنفيذ الأمر ببساطة، دخلوا في جدل وتشديد وسؤال عن توصيف البقرة، ما هي؟ وما لونها؟ وما عملها؟

بينما القصة في أصلها كانت تتعلّق بحادثة قتل، وكان المطلوب أن يُكشف القاتل، لكنهم انشغلوا بالتفاصيل، وتركوا جوهر القضية.

والأمر ذاته يتكرّر في كل زمان ومكان.

فالسودان اليوم، بلد يعاني من الفقر، رغم امتلاكه لثروة حيوانية هائلة.

يمتلك 42 مليون بقرة، ومع ذلك، لا يزال جزء كبير من الشعب يُكابد لأجل لقمة العيش.

بينما هولندا، بـ11 مليون بقرة فقط، صنعت من هذه الثروة صناعة قومية، واقتصادًا عالميًا متكاملًا في الألبان والأجبان ومراكز الأبحاث والدراسات، ما انعكس على الزراعة، والتجارة، والتقنيات الحديثة، والهندسة الوراثية.

القصة ليست في امتلاك الموارد فقط، بل في إدارة هذه الموارد.

الشعب الهولندي جعل من أولوياته: دراسة الهندسة الزراعية، والوراثة، والطب البيطري، والتقنيات الحديثة.

كل العلوم تدور في فلك تلك الثروة الحيوانية.

حتى التكنولوجيا، تُسخّر لتطوير آلات الزراعة، وإدارة المصانع والمزارع، ومتابعة المتاجر.

وهذا النموذج لا يقتصر على هولندا فقط، بل يتكرّر في كثير من الدول الناهضة اقتصاديًا، ومنها بعض الدول العربية الغنية.

أما في السودان، فالمشهد مختلف تمامًا.

حين يفكّر المواطن السوداني في أن يخطو خطوة لاستثمار الموارد الطبيعية من زراعة، أو ثروة حيوانية، أو سمكية، أو حتى من الذهب والنفط، يتقدّم خطوة ويتراجع مائة خطوة.

والسبب؟

هي “صورة البقرة”.

من لا يريد للحل أن يظهر، يزرع العثرات، ويُحدث الفوضى، ويُثبط الهمم، ويعطّل المنطق، ويشوّش النظام.

فما الذي يمنع الجامعات السودانية، والباحثين والعلماء والمهندسين والأطباء والمتخصصين، من أن يضعوا خططًا لاستثمار هذه الثروات؟

ما الذي يمنع، وهم قادرون على ذلك؟!

الحقيقة أن هذا المثال لا يخص السودان وحده،

بل يتكرّر في كل دولة غنية بمواردها، فقيرة في حياتها، معدومة في إدارتها.

لأن الموارد وحدها لا تصنع التغيير،

بل العقول هي التي تصنع الفرق.

كلما رأيتُ تعطيلًا للمنطق، في أيّ مكان،

تذكّرت سورة البقرة…

وتجلّت لي من جديد “صورة البقرة”.

{وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً ۖ قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا ۖ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ۝}

[القرآن الكريم – سورة البقرة – آية: 67]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *